رمضان والأسرةضيف حبيب ننتظر قدومه كل عام، وهو ضيف يتميز بأنه: أيام معدودات، له نظام خاص في الحياة، ويختلف اختلافًا بينًا عن الصيام في الأديان الأخرى.
لماذا؟..
لأن المسلمين يصومون بشريعة إلهية محفوظة بحفظ الله إلى قيام الساعة؛ لذا لو تأملنا رمضان في منازلنا لوقفنا الوقفات التالية:
الوقفة الأولى:
الفخر؛ فنحن المسلمين نفتخر بديننا الإسلام الذي نعيش من خلاله لذة العبادة؛ فصيامنا لا يعني لنا التعذيب {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ} [النساء: 147]، ولا يعني لنا الكسل وترك العمل المتقن، فهناك قدوات لا تنتهي؛ فغزوة بدر وفتح مكة ومعركة عين جالوت وتحرير سيناء وغيرها كثير تعلمنا أن رمضان شامة على جبين حياة المسلمين في كل زمان ومكان.
لذا نتساءل عن سر الكسل والعجز والدعة التي تنخر أجسام الأسر، فهل من يعتز بدينه يكون صورة سلبية قاتمة ترسخ في أذهان الأجيال؟
الوقفة الثانية:
نحن نصوم رمضان بفرحة العزة {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58]؛ لأن الله الرحمن الرحيم سيكرمنا بأجر خاص متميز، فقد قال تعالى في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به".
الوقفة الثالثة:
نحرص في رمضان بأننا -نحن المسلمين- نسعى للتميز في عباداتنا جميعها؛ لنكون ربانيين لا رمضانيين؛ فرمضان مدرستنا الروحية الأقوى لزادنا بقية العام، فتعالي يا أختي الحبيبة لنتأمل أنفسنا داخليًّا وخارجيًّا، تأملي معي نبضات قلبك، وهل تفقدناها على الدوام لنطهرها من الرياء؟..
تأملي حجابك الذي تخرجين به لصلاة التراويح والعمرة وصلة الأرحام، هل يتلاءم مع صيامك؟..
إنك تصومين حسب أوامر الله تعالى، فهل حجابك كذلك أم هو زينة في ذاته ضيق يكشف عن ملابسك وعن وجهك؟..
تأملي ملابس العيد التي اشتريتها، هل هي حسب أوامر الله أم هي كاسية عارية تتبع أوامر دور الأزياء؟..
تأملي عينيك وأذنيك، هل تركتِ لها هواها في النظر والسماع لما حرم الله؟..
تأملي قراءتك للقرآن، هل ستستمر كما هي أم ستهجرينه أم ستجعلينه في أوقات متباعدة؟..
الوقفة الرابعة:
الثبات بقوة {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: 12]، {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ} [الأعراف: 170]؛ فرمضان هو من رموز القوة في حياة الأسر المسلمة، ففيه يدرب الأولاد على الصيام ليكونوا أقوياء في التزامهم، وفيه نحرص على السؤال عن أدق المسائل التي قد تبطل صيامنا بالمفهوم العام، وهو ترك مبطلات الصيام، فهل كنا أقوى في فقهنا لحقيقة الصيام كما شرعه الله؟
لنراقب حياتنا في رمضان ونحن بمحض اختيارنا نترك المباح وهو الطعام والشراب والجماع في نهار رمضان، أفلا ندعو الله بأن يرزقنا القوة على ترك الحرام في رمضان وفي غيره؟
الوقفة الخامسة:
هل رمضان يعني التطرف في فهم حقيقته؟ تأملي حال بيوتنا لتجدي هذا التطرف في فقه قيمة الطعام؛ فهناك بيوت تصرف جهدها الذهني والبدني في الطعام ليصبح رمضان شهر البدانة والشراهة وما يعقب ذلك من قسوة القلب، وتنشغل بذلك المسلمة عن أداء صلاة التراويح في منزلها وعن قراءة ما تستطيع من القرآن، وهناك بيوت تعتقد أن صنع الطعام الواجب لأفراد البيت من المعاصي ومن تضييع الأوقات؛ لذا تلزم أفرادها بالتقشف الجبري بحجة وجوب ذهاب الزوجة لصلاة التراويح في المسجد، ثم اعتكافها آخر الشهر ووجوب ختم القرآن يوميًّا.
وكلا الصنفين لم تفقه فيه ربات البيوت حقيقة أن صنعها للطعام الواجب لأفراد أسرتها هو من العبادة، ومن حقوقهم عليها.
الوقفة السادسة:
من النساء من تعتقد وجوب خروجها لصلاة التراويح في المساجد بل في مساجد بعينها، وفي اعتكافها ولو أدى ذلك إلى ترك أولادها مع الخادمة أو مع بعض أهلها، ولو كانوا لا يوافقونها في طريقة التربية وغفلت عن أن صلاتها في بيتها أولى، بل هي ستعلم أولادها صلاة التراويح لما تصلي بهم جماعة، وأيضًا ستقرأ معهم القرآن وتشرف عليهم بنفسها، وكل ما تقوم به في سبيل تربيتهم والجلوس معهم عبادة عظيمة.
الوقفة السابعة:
التفاخر والرياء في تباهي النساء بعبادتهن في رمضان، وهذا يعني فقدان الإخلاص التام، والله تعالى يقول في الحديث القدسي: "من عمل عملاً فأشرك فيه معي غيري، تركته وشركه".
الوقفة الثامنة:
رمضان شهر له خصوصيته في أوقاته المنظمة، فهو أيام تحتاج للحرص على ضبطها؛ لذا لا يلزم إهدارها في حفلات وولائم وزيارات لا حاجة إليها، ومن باب أولى التسوق في لياليه، وعلينا فقه حقيقة صلة الرحم وربطها بالوقت المناسب الذي يوفر للجميع الابتعاد عن مهلكات الحسنات من لغو وغيبة والجلوس لأوقات طويلة وتفاخر في أصناف الطعام والملابس، وغير ذلك مما شاع في اللقاءات الأسرية الرمضانية.
هذه وقفات أسرية في رمضان، وهناك الكثير سيتذكرها غيري، ولكنا جميعًا علينا الاعتبار ويقظة القلوب والعقول والهمة العالية والتنافس نحو الفردوس الأعلى بإخلاص واتباع. فاللهم اجعلنا ممن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، وتقبلته منا يا أرحم الراحمين.
الكاتب: د. حياة با أخضر
المصدر: موقع لها أون لاين